الأربعاء، 23 فبراير 2011

الغاء الرقابة على السينما...الاختبار الحقيقي للدولة القادمة


عصام زكريا

بعض المتسرعين على عودة الحياة لمجاريها لا يصدقون بعد أن ما حدث في مصر هو أول ثورة حقيقية في تاريخها...ثورة صنعها ملايين المواطنين معظمهم من الشباب الذي يتطلع لصياغة عالم جديد ومختلف.

اعتقد أن طبيعة هذا العالم الجديد سوف تتحدد من خلال شكل حرية التعبير والحريات الشخصية وأشكال الرقابة على هذه الحريات...ولأن السينما والرقابة عليها ظلت الأرضية الأساسية للصراع بين العلمانيين والحركات الاسلامية على مدار العقدين الأخيرين، لذلك أتصور أنها ستكون المرشح الأول للحوار أو الصراع القادم على نوع الدولة الجديدة التي ستتشكل في مصر خلال الأعوام القليلة القادمة... وأن الجنس – بإعتباره أحد التابوهات التقليدية الثلاثة مع الدين والسياسة - سيكون الجبهة الأساسية لهذه المعركة الفكرية.

منذ عدة أعوام نشرت مجلة "فورين أفيرز" – "العلاقات الخارجية" – الأمريكية ملفا عن مفهوم الديموقراطية لدى الغرب والشرق، وتوصلت من خلاله إلى أن كلا من الغربيين والشرقيين يتفقون على معنى الديموقراطية فيما يتعلق بالحريات السياسية وحتى الدينية ولكنهم يختلفون تماما حين يصل الأمر إلى الحريات الجنسية.

إذا طبقنا هذا على السينما والرقابة نستطيع أن نستنتج أن تحطيم التابو السياسي قد تم بالفعل...وأنه لم يعد هناك مقدسات سياسية يمكن الإختلاف حولها من رئيس الجمهورية إلى أمن الدولة والمخابرات وغيرهم...رغم أن البعض يحاول أن يستثني الجيش من هذه المذبحة ويعيد تنصيبه كصنم لا يجب المساس به.

التابو الديني قد يثير خلافات كبيرة ولكن السينما بشكل عام وسيط غير مناسب للخوض في المناقشات الدينية العميقة، كما أن هذا النوع من الموضوعات غير جذاب جماهيريا مثل السياسة أو الجنس...فارق آخر مهم بين الدين والجنس في السينما أن الموضوع الديني سيعتمد على الحوار واللغة بالأساس بينما الجنس غالبا ما يرتبط بالصورة من خلال المشاهد الجنسية أو العارية. وبما أن الثقافة العربية ليس لديها حساسية مفرطة من الحديث واللغة مثل الحساسية المرضية التي تعاني منها فيما يتعلق بالصور، لذلك فإن أكثر الموضوعات جدلا في الدين والفلسفة يمكن التسامح معها أكثر من التسامح مع مشهد جنسي صريح!

النقطة المهمة الأخرى فيما يتعلق بالرقابة هي دور الدولة المستقبلية ومدى تحكمها في وسائل الإعلام والفنون، وإذا كانت البداية هي الغاء وزارة الإعلام بما كانت تمثله من قمع لحرية التعبير، فإن الرقابة على المصنفات الفنية بإعتبارها الجهاز القمعي لوزارة الثقافة ستكون الهدف التالي لإنتزاع هذه الحرية.

ولكن السؤال لن يكون أبدا الغاء الرقابة بقدر ما سيكون عن نوع الرقابة البديلة التي يمكن أن تحل محل رقابة الدولة.

الشكل الأمثل لذلك، والذي طرحناه مرارا وتكرارا من قبل، هو تشكيل لجنة مدنية مستقلة من العاملين بالسينما وخبراء علوم الإجتماع والنفس والتربية تكون مهمتها تصنيف الأفلام وفقا للفئة العمرية، بالإضافة إلى بعض التوصيات الأخرى مثل عدم ملائمة فيلم بعينه للعرض في دور العرض السائدة واقتصاره على بعض الأماكن المخصصة كما يحدث بالفعل في أفلام المهرجانات الدولية التي تقام في مصر والأفلام التي تعرض في المراكز الثقافية المختلفة منذ عشرات السنين.

وحتى لا يتصور المتشددين أخلاقيا أن تغيير نظام الرقابة سيؤدي بالضرورة إلى عرض أفلام لم يكن من الممكن عرضها في النظام القديم، أحب أن أؤكد أن كل أنواع الأفلام – بما فيها الأفلام الإباحية – تعرض في مصر بالفعل، إن لم يكن في دور العرض والمهرجانات والمراكز الثقافية ومحطات التليفزيون الفضائية فعلى الانترنت واسطوانات الدي في دي وغيرها.

الذي سيحدث فقط هو الاعتراف بوجودها وتقنين عرضها بدلا من الأكاذيب الفاضحة التي عشنا عليها على مدار عقود من أننا لا نشاهد شيئا بينما نشاهد كل شئ في الغرف المغلقة وهي ازدواجية حان أوان الخلاص منها.

Essam22@hotmail.com

هناك تعليق واحد:

  1. أتفق معك بشدة ، وكنت مغتم بهذه القضية تحديدا منذ فترة بعيدة ، الغاء الرقابة على السينما واستبدالها بلجنة لتحديد الفئة العمرية المناسبة للفيلم ستكون نقلة فارقة في اتجاه ليبرالية حقيقية في المجتمع
    تحياتي المخلصة

    ردحذف