الاثنين، 21 فبراير 2011

لا أحد ينام في ميدان التحرير


محمد عبد الرحمن

(هذا التحقيق كان من المفترض نشره في عدد 8 فبراير من مجلة صباح الخير لكن الحمدلله تم تأجيله بالتالي لم ينشر بجوار الموضوعات التي أهانت شباب الثورة)

لم يعد ميدان التحرير هو أشهر ميدان في مصر، فمنذ ثورة التغيير التي أطلقها الشباب المصري الواع والمثقف في 25 يناير الماضي تحول الميدان إلى قبلة كل دول العالم التي تقدر قيمة مصر وتريد التعرف على مطالب شبابها واستجابة الدولة لهذه المطالب، لكن الصور التي تنقلها الفضائيات سواء المحايدة أو المنحازة، تظهر الميدان وهو ملئ بالشباب الذي توحد دون موعد سابق لكنها لا تنقل ما يحدث على الأرض وما يتردد عن وجود فئات سياسية وخارجية تحاول السطو على ثورة هؤلاء الشباب المصري الذي أصبح حديث الناس في كل مكان، صباح الخير دخلت الميدان أول أمس الأحد لترصد العديد من المشاهد التي ترسم أبعادا مختلفة للصورة الكبيرة التي شرفت مصر أمام العالم.

المشهد الأول : قصة زواج أحمد وعلا

عقد قران في ميدان التحرير، حدث غير مسبوق بالطبع، حتى أن كل الفضائيات نقلته على الهواء مباشرة وأصبح الحدث الذي استغرق 3 دقائق تقريباً منتشراَ على موقع اليوتيوب بكثافة خلال ساعات قليلة، صحيح أن هناك من تزوجوا خلال المظاهرات وهناك صور منتشرة لعريس وعروس بجوار دبابة الجيش، لكن أن يكون الزواج نفسه داخل الميدان فهو حدث تاريخي بالطبع لن ينساه العروسين "أحمد" و" علا" ولا من حضره ولا حتى من شاهده على شاشة التلفزيون، فهذا هو أكبر حضور لعقد قران في التاريخ، لكن القصة لها بعض التفاصيل عرفتها من "مريم معتصم " – 25 سنة - صديقة العريس التي نفت أولا ما تردد عن أن العروسين تعرفا خلال المظاهرات، فهذه مبالغة غير دقيقة لأن موعد عقد القران كان محددا من قبل الثورة في يوم الجمعة 4 فبراير لكن مشاركة العريس والعروس في المظاهرات منذ بدايتها حالت دون ذلك، فجاءت فكرة اقامة عقد القرآن في الميدان من العريس ووافقت عليها العروس لكنهما لم يتوقعا أن يحضره كل هذه الحشود، فقط اطمئنوا إلى وعود الحكومة بعدم التعرض للمتظاهرين وقرروا الحضور مع زملاءه لعقد القرآن في أي ركن من الميدان الفسيح، لكن الحضور القوي في هذا اليوم المسمي بأحد الشهداء واقامة قداس للاخوة المسيحيين وغيره من الفعاليات حول عقد القران إلى حدث تاريخي.

المشهد الثاني : النظافة من الميدان

ذهبت إلى الميدان وفي ذهني صورة نقلتها بعض الفضائيات لشباب يكنسون الأرض لكنني لم أعرف أن هناك نظاماً لهذا الأمر إلا من "محمد السماحي" -36 سنة- الذي شرح لي أن كل من يقيم أو يدخل الميدان له دور محدد، وبالنسبة للنظافة فهي مسئولية من يبيتون في الميدان حيث يتم تقسيم من اختاروا المبيت إلى ثلاث فئات، الأولى المرهقون الذين يريدون النوم أولا، والثانية للحراسة، والثالثة للنظافة بحيث يأت الناس للميدان في اليوم التالي وهو نظيف، ويؤكد أن كل المعتصمين مستعدين للمساهمة في اعادة بناء ما تكسر في الميدان بدون أجر بعد فض الاعتصام.

المشهد الثالث : الإيثار والتعايش

سألت دعاء الشامي – 26 سنة- عن أكثر المشاهد التي تبقت في ذاكرتها من أيام الاعتصام التي شاركت في معظمها، وردت بأن هناك مشهدين أساسيين أولهما "الإيثار" حيث كان الكل يحاول تفضيل الغير على نفسه فعادت أخلاق المصريين من جديد تعبر عن معدنهم الأصيل، فمن نعطيه 2 ساندويتش مثلا يأكل واحد ويرفض الثاني، والشبعان لا يطلب الطعام ولا يخزنه أبدا، وهناك من تخصصوا في صنع الشاي للمعتصمين مع أنهم خريجات جامعة لكن الكل كان يريد المساهمة بما يستطيع، أما المشهد الثاني فهو التعايش حيث تضافرت كل الثقافات، فأولا لم نسمع عن حالة تحرش واحدة، وثانيا كان السلفي ينظر باحترام للفتاة التي لا ترتدي حجابا، عكس ما كان يحدث من قبل، حيث كانت كل فئة ترفض الأخرى وتنزوي عنها، فالكل في الميدان مصريون وحتى بنات الإخوان كنا يرددن الأغنيات الوطنية والمفاجأة كانت في ترديدهن تراتيل الكنيسة يوم الأحد الماضي.

المشهد الرابع : الأمن الغذائي

بعدما سقطت سريعا أكاذيب وجود تمويل ووجبات دجاج يومية للمتظاهرين كان طبيعي أن اسأل عن كيفية وصول الطعام لهم ومن يدفع ثمنه واتضح أن هناك طريقتين، الأول أن كل معتصم ينفق على طعامه من جيبه الخاص، والثانية كانت في الفتيات المسئولات عن الأمن الغذائي للميدان من خلال امدادات ساندويتشات الجبنة، وتقول عنها "رضوى حسن" – 28 سنة – أن كل مجموعة من الفتيات كن يجمعن حوالي 150 جنيه كل يوم لشراء كمية من الجبن وعيش الفينو ويقمن بصناعة حوالي 100 ساندويتش في المرة الواحد وتوزيعها على المعتصمين الذين لا يخرجون لشراء الطعام، بجانب ما كان يأتي من الزائرين اليوميين من دعم في شكل كميات كبيرة من الشيبسي والبسكويت والعصائر وغيرها من المحفوظات مؤكدة أن من يقيم في الميدان كل يوم لا ينتظر أكل اللحوم والدجاج ويكتفي بما يصلب عوده، وترد على من اتهمهم بالحصول على أموال وطعام مجاني بأن المبالغ التي ذكرت لا تساوي بالتأكيد المبيت في الشارع يوميا وطوال هذه الفترة، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يتحمل أحد احتمال القتل والاصابة عشان وجبة كنتاكي.

المشهد الخامس : حدود الإخوان

الخوف من السطو على ثورة الشباب المصري غير المنتمى لأي حزب كان حديث بعض الشباب هناك خصوصا بعدما حذرت وسائل إعلام عديدة من هذا الأمر، لكن محمود أحمد – 23 سنة – يؤكد أن الأمر لازال تحت السيطرة وأن وجود الإخوان ملحوظ لكنه غير مؤثر لعدة أسباب، أولا أنهم لم ينضموا إلا بعد نجاح الثورة في أيامها الأولى بالتالي غير مسموح لأي فئة أن تركب على الموجة، ثانيا أن التعايش مفروض على الجميع فلا يمكن لفئة أن تنعزل داخل الميدان وتفرض أراءها على باقي الفئات، لكن في الوقت نفسه يحمل شباب الميدان الكثير من الامتنان لشباب الإخوان بسبب مهمة وحيدة قاموا بها ونجحوا فيها وهي جمايتهم من هجوم البلطجية في موقعة الجمل يوم الأربعاء الماضي لأنهم بحكم تدريبهم وقوتهم البدنية قادوا خط الدفاع عن الشباب الذي فوجئ بالموقف لكن هذه المهمة لا تعني أبدا أن ثورة 25 يناير يمكن أن تسقط في يد أي فصيل سياسي بما في ذلك الإخوان الذين سيشاركون في التحرك لكن دون أن يقودوا التيار.

المشهد السادس : فنون الثورة

محمد عبد العزيز – 31- يعترف بأنه لم يشارك في الثورة إلا بعد نجاحها فقد كان في البداية محبطاً ويتعجب من ذهاب بعض أصدقاءه إلى الميدان في الأيام الأولى، فرغم أنه من سكان وسط البلد لكنه لم يفكر في الانضمام خلال الأيام الخمس الأول، وعندما واظب على الحضور بعد ذلك شاهد صور وسجل انطباعات عديدة كان أهمها ما يعرف بأركان الميدان، فهناك ركن للمسرح، وأخر للغناء، وثالث للابداعات المتنوعة، كما يوجد 2 ميكروفون متاحين أمام من يريد مخاطبة الناس لكن الملاحظة الأهم أنه لا يوجد من يحصل على وقت زائد، فالكل يختصر في كلمته والناس تستمتع وتبدي اعجابها فما يقول، مؤكدا أن هناك شاشة تلفزيون تعرض مقتطفات مما يأتي على القنوات الفضائية سواء الجزيرة أو العربية أو بي بي سي، لكن التلفزيون المصري لم يصل للميدان على الإطلاق، وكانت الادعاءات غير الدقيقة التي تعرض من خلاله تصل متأخرة عن طريق الحكايات من الذين شاهدوها لكنها لم تكن مؤثرة على الإطلاق .

المشهد السابع : لجان التفتيش ..مصلحتك أولاً

في احدى لجان التفتيش يقف كريم مصطفي – 22 سنة- مؤكدا أنه انضم للجان منذ 4 أيام وأصبح محترفا في هذا الأمر، ويؤكد سعادته بأنه أصبح له دور في التظاهرات، وعن قبول الكثيرين لهذا الأمر يؤكد أن الكل أصبح مقتنعاً بأن التفتيش في مصلحة الجميع حتى لا يندس أحد معه أي اسلحة أو منشورات ضد الشباب، بالتالي الكل يلتزم وفي نفس الوقت نقوم بالاعتذار لهم بعد التفتيش، وعن الاستثناءات يقول أنها معدومة لكن من يحمل طعام ومشروبات يتم تفتيشه أسرع من خالي اليدين لتسهيل عملية دخول الدعم للمتظاهرين، في الوقت نفسه يؤكد أن هذه التجربة صنعت له صداقات عديدة وغير متوقعة مع الناس الذين يدخلون يوميا من نفس اللجنة حيث تعرف عليهم جميعاً وتبادلوا أرقام الهواتف

المشهد الثامن : ملايين الكشري

ولاتزال الأسئلة التي أحملها إلى الميدان مستمرة، وأولها أن استمرار التواجد في الميدان وقف حال الكثيرون خصوصا العاملون باليومية وغيرهم ورفع الأسعار كما يؤكد الجميع، ليرد علي "محمد علاء- 33 سنة- بأن الأمر منطقي وطبيعي في هذه الظروف وهو لا يسعد بالطبع كل المعتصمين الذين يتمنون الإستجابة لمطالبهم في أسرع وقت حتى ينفض الاعتصام، لكن في الوقت نفسه يؤكد "علاء" أن كثير من البسطاء الذين يشاركون في الاعتصام ويوجهون التحية للشباب الثائر يؤكدون أن الحال واقف معظم الوقت، وان عمال اليومية سيحظون بالتأمين عليهم لو الثورة نجحت، كما أن هناك من البسطاء من استفاد ماليا من الثورة فهناك العشرات من الباعة الجائلين واصحاب الاكشاك والمطاعم المحيطة بالميدان خصوصا "الكشرى" و" الكبدة" باعوا ملايين الأطباق والسندوتشات في الأيام الأخيرة، وهناك من يأتي الميدان ومعه عربة كسكسي أو بليلة ومن يبيع الأعلام مثلا وهكذا بالتالي الصورة لا يجب النظر لها من زاوية واحدة وعندما تتغير الأمور سيرتاح الجميغ، ويكمل "علاء" منذ عدة شهور كان هناك اعتصام مزمن شهير على رصيف مجلس الشعب لعمال العديد من الشركات ولم يصل إلى شئ وتم فضه بالقوة ربما لو كان قد تم الاستماع لهؤلاء ما وصلنا لتلك الحركة وهؤلاء عندما اعتصموا كان بسبب وقف حالهم بالتالي كلهم متواجدين ومتعاطفين معها لأنهم يعرفون أن وقف الحال حاليا مؤقت ولن يطول.

المشهد التاسع : مفيش تحرش

زاوية أخرى لم ينتبه لها الكثيرين لفتت انتباهي لها " كريمة محمد" – 26 سنة- حيث قالت أن أهل ميدان التحرير ارجعوها من جديد للرغبة في التفاعل الاجتماعي بعدما فرضت على نفسها عزلة طويلة بسبب التحرش في أي مكان به زحام، وتتساءل كيف يتهم هذا الشباب بكل هذه الاتهامات وهو الذي حمى نفسه من أي شوائب كانت تدين الشباب المصري طول الوقت، وتتمنى "كريمة" أن تصل الرسالة لكل الشباب الذي لم يشارك في التظاهرات، بأن صورة مصر نحن جميعا مسئولين عنها، وأن تحقيق العدالة سيضمن لكل شاب عمل جيد وزواج أسرع يمنعه من النزول للشارع للتحرش بالفتيات.

المشهد العاشر : أفلام الميدان

النسبة الأكبر من الفنانين الذين تضامنوا مع المعتصمين كانت من السينمائيين الشباب الأمر الذي يؤكد أن أعمالا فنية كثيرة ستخرج في المستقبل تحكي عن شعب ميدان التحرير، لكن الوضع كان مختلفا مع المخرج الشاب "البراء أشرف" المتخصص في إخراج وانتاج الأفلام الوثائقية، حيث شارك في الاعتصام يوميا على مدى 13 يوما دون أن يحمل كاميرا، كان يريد أن يصور بعينيه ويختزن بذاكرته، كما كان يريد التحرر من أي قيود لا تجعله مثل أي مواطن في الميدان، لكن بعد هدوء الأوضاع قرر أن يقدم خمسة أفلام تسجيلية دفعة واحدة، وأن يذهب للميدان كمخرج في الأيام المقبلة وحدد موضوعين أساسيين ستدور عنها هذه الأفلام الأول " بالروح والدم" عن شهداء الثورة الذين حولوا هذا الهتاف القديم إلى واقع بدمائهم الطاهرة، والثاني "الثورة الضاحكة" عن النكات والقفشات التي يشهدها الميدان الذي لا ينام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق