الثلاثاء، 22 فبراير 2011

وأخيرا...الميه طلعت في العالي


عبير صلاح الدين

سنوات طويلة توصف فيها الشخصية المصرية بالاستكانة والخنوع والخضوع والسلبية واللامبالاة .

ويحاول عدد من علماء النفس والاجتماع أن يربطوا بين هذه الصفات وقدرة المصري على التكيف مع واقع صعب، يرى فيه الكثيرون أن فى الإيجابية والاقدام مجلبة للمتاعب والمشكلات‏، لأن"الميه متطلعش فى العالي" ، ولا سبيل إلى التحايل على الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الصعبة إلا بالنفاق والفهلوة والصبر.

إلى أن جاء 25 يناير ويتمكن مجموعة من الشباب من كسر حاجز الخوف وينضم إليهم يوما بعد يوم الكثيرون ، ليكسر الكثيرون هذه الصفات التى ألصقت طويلا بالشخصية المصرية ، ويوما بعد يوم أيقن الجميع أن " الميه يمكن أن تطلع في العالي " إذا صممنا على ذلك .

والحقيقة أن تلك اللحظة لم تأت فجاة فقد سبقتها محاولات كثيرة ومتراكمة للاحتجاجات التى يطالب فيها عمال وموظفون بحقوقهم ، ويصمدون أياما أمام مضايقات الأمن ولا مبالاة المسئولين ، وفي النهاية لا يضيع حق وراءه مطالب ، لتولد في تلك اللحظات بذور التغيير في الشخصية المصرية التى لم يلتفت إليها الكثيرون.

ويقول علماء الاجتماع أن القهر والاستبداد وانتشار الفقر يمكن أن تحول الشخصية المسالمة القنوعة إلى شخصية عنيفة ، توجه عنفها إلى الجميع ، ربما لأنها لم تحدد العدو الحقيقي أو تعرفه لكن لا تعرف كيف تواجهه ، إلى أن تأتي لحظة تحديد العدو الحقيقي ..النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، وتخرج الشخصية العنيفة محددة هدفها ومصممة على تحقيقه وهو ما حدث في 25 يناير وما بعدها .

المصريون لن يعودوا إلى ماكانوا قبل 25 يناير .. لن يسكت أحد على فساد كبيرا كان أو صغيرا ، لن يصمت المصريون ثانية عن مساءلة المسئول صغيرا أو كبيرا ، لن يتمكن الكثيرون من اللعب تحت الطرابيزة أو الاستئثار بالقرار مرة أخرى ، الكثيرون على استعداد للمشاركة في العمل الاجتماعي والسياسي الذى ظلوا بعيدا عنه لسنوات طويلة .

الأمر الآن في حاجة إلى جهد المجتمع المدني لاستثمار هذه الروح في أعمال جماعية تخرج إلى ماهو أبعد من تنظيف الشوارع وتجميل الأرصفة ، في حاجة إلى أفكار غير تقليدية يقترحها الشباب بانفسهم لتغيير ما لم يكونوا راضين عنه ، لقد شعر الشباب أخيرا أن الشارع شارعهم وليس شارع الحكومة فبدأوا بتنظيفه ، لأننا لا نهتم سوى بما نملك فقط .

ويمكن لكل جمعية أهلية في أى حي من الأحياء أو قرية من القرى أن تكون همزة الوصل بين الشباب الذين هبوا لحماية بيوتهم في لجان شعبية في جميع ربوع مصر، وبين المسئولين في الأحياء والمراكز والمحافظات ، ليشارك شباب الحي أو القرية في تحديد أولويات العمل التنفيذى طبقا لاحتياجات أهالى المنطقة وسكانها ، ثم فى متابعة جودة التنفيذ ، حتى لا نرى ثانية آلاف وملايين الجنيهات التى تهدر لإنشاء كوبرى مشاه لا يستخدمه أحد ، أو أرصفة تهد وتبنى في شوارع معينة من دون حاجة سوى السرقة من ورائها ، وحتى لا نفاجأ بتهدم مبنى فجأة كان قد صدر له قرار بالهدم قبل ذلك ولم يلتفت له أحد ، وحتى لا نرى من يبنون على أرض زراعية خلال العطلات أو يحرقون قش الأرز ، الذى تفيد دراسات علمية وطنية كثيرة إلى أنه ثروة لانتاج الورق وغيره إذا أحسن استغلاله .

الفرصة سانحة أمام الشباب وأمام الجميع إلى المطالبة بحقهم في المشاركة في إدارة شئونهم فهذه هي الثورة الحقيقية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق