الاثنين، 14 فبراير 2011

أنجبت مصر شباب الثورة ...وأنجب الشباب الحرية لمصر!!!



شدي حيلك يا بلد ...الحرية بتتولَد :

أنجبت مصر شباب الثورة ...وأنجب الشباب الحرية لمصر!!!

أمل فوزي

الكلمة في مواجهة الحدث عاجزة ، قليلة الحيلة ...واي حدث نتحدث عنه...إنها الثورة ...الثورة الناجحة الناصعة الصامدة ...ثورة الشباب التي أنقذت مصر ، الثورة التي أيقظت مصر والمصريين من السبات العميق ، من الحياة الميتة ، من الغمة والظلام الذي كدنا أن نعتاد عليه ، كدنا أن نصدق أنه مصيرنا المكتوب علينا ، ثورة الشباب التي أعادت لنا ثقتنا في أننا نستطيع أن نخرج من قمقم القمع ، من أن نخرج من وسط الحائط الذي كنا نسير ونعيش ونختبئ فيه ، الثورة الشبابية الشعبية الراقية التي جعلت " مصر تتحدث عن نفسها " ، ثورة الصوت السلمي ، الصوت الصادق الذي قرر وأراد فاسقط النظام ، الصوت الذي بدأ بمطالبات بديهية للحياة " عيش... حرية ...عدالة اجتماعية " ، فكان الرد من النظام ...استجابة فورية لمطالبه : قنابل.. ورصاص حي ..واعتقالات وتكسير عظام وقتل علني وخطف ودهس بالسيارات !!

ما أعظمه نظام !!!...أثبت عظمته بكفاءة غير مسبوقة في الإجرام والفساد ومص دماء الشعب حياً ، أثبت عظمة الغباء الذي لايقارنه غباء ، اثبت عظمة الصلف والجبروت والقسوة التي سيسجلها التاريخ ولن ينساها المصريون الذين كادوا يصدقون أنهم بلاذاكرة أو أن ذاكراتهم ضعيفة تنسى الإهانة والذل مما يجعلهم يعتادون التكيف ...

اي كلام هذا قد يصف المشهد ويسجله ، مشهد واحد لا ينفصل ليله عن نهاره ولا ينقطع ، مشهد موصول من الإصرار والإرادة والتحضر والرقي والفهم والوعي ، مشهد الثورة الواحد والوحيد والذي جعلنا نقرأ بين سطوره مواصفات شعبنا ، قدراته ، نفهم ونستخلص " البني آدمين " ، نتعلم السياسة التي نسينا لسنين طوال أنها مسئوليتنا ، أننا نصنعها ولسنا دمي نتحرك فيها وفق ما يراه النظام .

المشهد طويل ..رائع ومعقد ، مذهل ولكي تكتب عنه عليك أن تصدق أولاً ..أنه حقيقة ، أن تفصلك عنه مساحة زمنية ، تسمح لعقلك فيها باستيعاب ماحدث ..

إنها الثورة ...حدثت ..نجحت ..صنعها وقادها الشباب ...وصدق عليها الشعب ...وأخرجوها معاً أعظم إخراج يمكن أن يسجله التاريخ على صفحات هذا الوطن الذي أخيراً عاد إلينا !!!!

لقد عادت مصر ...فلنمسك بيديها ..نقبلها ...ونتشبث بها كي لا تفلت من بين ايدينا ثانية ...

كفانا ما ضاع من عمرها وعمرنا ..وعمر شهدائنا ، شهداء دفعوا ثمن الحرية ، دفعوا ثمن بقائنا شباب رائعون ...كتبوا نجاح هذه الثورة بدمائهم ..

تحية لهم وليغفروا لنا صمتنا لسنوات طويلة قبلنا فيها " اعتياد الأمر الواقع " فجاءوا هم بمنتهى الشجاعة والشرف ليغيروا لنا الواقع بدمائهم ، ، فعلوها ...غيروا الواقع ...ولم يعيشونه .





المشهد التاريخي لا يمكن اختزاله ...ولكن على الأقل يمكن وصف بعض اللقطات الخاطفة منه في محاولة للإجابة على السؤال ...كيف صنعوها الشباب ؟!!

لقطة 1 : " الثورة الشبابية...صناعة مصرية"

بعفوية كتب الشباب وقرر البداية أن تكون يوم 25 يناير : أسماء ، وائل ، إسراء ، زياد ، خالد ، باسم ، محمد ، لا يهم ، فكلهم في النهاية وحدوا الكلمة والصف ، أختاروا يوم عيد الشرطة رمزاً مفهوماً ، خرجوا بشعار " سلمية " ، " كرامة ، حرية ، عدالة أجتماعية ، نريد خبزاً وعملاً وحياة آدمية "، وبالفعل قد أهدتهم الشرطة هديتها و لكل الشعب المصري ... اعتقالات وخطف وقنابل وقتل " .

مات شباب – حتى هذه اللحظة الر اهنة غير معلوم عددهم بالضبط ، فمنهم من مات مقتولاً ومعلوم هويته ومنهم من قتل وخطف وتم تعبئته في سيارات ولا يعلم أحد ما مصيرهم ، وفي يوم ما ستفتح الملفات وسيتحدث شهود العيان عما رأوه .

لقطة 2 : الشرطة في خدمة قتل الشعب " :

عندما يزداد العنف والظلم أمام وجه الحق ، يزداد الغضب ، غضبنا فخرجنا من أمام المساجد ، حركنا الشباب دون تحريض ، كان اكبر تحريض هو فساد وعنف النظام وهمجيته ، وفي جمعة 28 يناير ، جاء غضبنا رائعاً ..سلمياً ، غضب متحضر ، مشهد لا يمكن وصفه ، من هؤلاء الذين يسيرون بشكل منظم حاملين أجمل وأعظم أسلحة الحق " الصوات " ، اصوات شقت الحناجر ، أصوات هزت القلوب والعقول والأفكار ، أصوات ايقظتنا وأيقظت الكثيرين من نومهم وإحباطهم ويأسهم ، صوت الحق عالياً واثقاً ، صادقاً ، حاسماً ، ما اجمله غضب ، قد منحنى العمر والقر ان اعيشه ، أن أهتف معهم :

" يا أهالينا أنضموا لينا" ، " على وعلى وعلى الصوت ، إللي ح يهتف مش ح يموت " ، " إللي بيضرب أهله وناسه ، يبقى عميل من ساسه لراسه " ، الشعب يريد إسقاط النظام ، " يا عسكري راضي ليه وانت بتاخد نص جنيه " ، وبأعلى الصوت نقول سلمية فيأتينا الرد بهمجية : شباب جرحى يتساقطون ، يفتحون علينا خراطيم المياه من سياراتهم القاتلة ، قنابلهم المسيلة للدموع التى أحرقت عيوننا واحرقت قلوبنا على من ماتوا برصاصهم الحي ، لم يتهاونوا في إلقاء القنابل على المصلين الذين افترشوا كوبري قصر النيل لصلاة العصر في محاولة لالتقاط الأنفاس قبل الوصول إلى التحرير ، بعد طريق طويل قطعناه من " مسجد مصطفى محمود بالمهندسين " .

مشهد لا يمكن تصديقه ...ما كل هؤلاء الجرحى الذين يتساقطون دماء تسيل من الراس والعين وشظايا الرصاص واضحة على وجوههم وأجسادهم النبيلة ...لن أنسى وجه ذلك الشاب الرائع الذي حمله أصدقاءه ووجهه مرقع بالشظايا وفي لحظة خاطفة نظرت في عينيه بفزع فقال لي : " كملوا ...لازم تكملوا ..ما تخافوش " .

لقطة 3 : " محاكمات عاجلة ننتظرها" !

تم اختطاف صديقي وائل ممدوح يوم جمعة الغضب ، وصديقي الآخر محمد عبد العاطي منهاراً وصامداً ومواصلاً ..لأنه شاهد واقعة الاختطاف من مخبرين يلقون به في سيارة ولم يستطع إنقاذه ، ولكنه الفزع الذي يحرك الإرادة ويصر على استكمال المشوار ، الأحداث تتطور بشكل مفزع ، يثيرون الرعب فب حياتنا، نظام طالبنا بإسقاطه ،فأخرج علينا السجناء والمجرمين الذي صنعهم وساهم في قتل آدميتهم لترويع المصريين ، محاولين إلصاق التهمة الشنعاء بالمتظاهرين الذين ارادوا كشف الغمة عن صدر وقلب وعين هذا الوطن . ومن المؤكد أن ملف " العادلي " لن يغلق إلا وعليه مطالبة بإعدامه في نفس الميدان الذي قتل فيه أولادنا أخوتنا .

الجرائم التي سيسجلها التاريخ كثيرة ...مثل المزايدات والتضليلات والحروب الإعلامية القذرة ، وكل يريد ان يلحق بمصلحته .

تليفزيون مصري ..لا يستحق ان ينسب له مصريته ، وعن قريب سنفتح ملف " التضليل " الذي لعبه التليفزيون وبشهود عيان شرفاء ، حبسوا في حجرات بالتليفزيون لأيام حتى لا يتمكنوا من تصوير أو فضح ما هو حادث .

صحف اتهت هؤلاء الشباب والمتظاهرين بالعمالة وتم تخوينهم وإلصاق تهم العمالة بهم ، وما أن نجحت الثورة ، وكأن شيئاً لم يكن ...قلبوا صفحة ضمائرهم الممسوخة وتعاملوا مع أنفسهم ومع الرأي العام انهم حلفاء الشباب وانهم كانوا من داعمي الثورة ...إنهم نهايات الزمن الفاسد الذي لن يغفر لنا شهداءنا السماح لهم بالبقاء أو بالإبقاء عليهم .

لقطة 4 : في التحرير ...المصريون مدهشون :

التحرير ..لم يكن مكاناً ..لكنه كان الرمز ..." الحرية ، التحرر، الكرامة " ، لقد صنعوها ، وقفوا في الميدان ، اغترشوا الحدائق ، أحضروا بطاطين قديمة ، نصبوا خياماً من اكياس القمامة السوداء ، تحرك الشعب ، بدأت الصحوة ، إمدادات وطنية شريفة ، دعم ببلاستيك لسقوط الأمطار ، إحضار ميكروفونات ، إنشاء إذاعة داخلية في الميدان ، الأذاعة أصبحت إذاعتين ، المشهد يزداد أتساعاً ,عمقاً ,نضجاً ,روعة ، الكثيروت يأتون بمأكولات ، محال تقدم الكشري مجاناً ، اشخاص يقومون بتوزيع التمر والبقسماط والعيش البلدي والطعمية ، الكل يتقاسم " اللقمة " وعزة النفس تمتنع عن قبول مأكولات وإيثار أخرين عليها ، روح تؤكد اننا نعود إلى أنفسنا ، إنها عودة الروح بالفعل ، تحضر ، رقي ، أخلاقيات ، مساعدة ، مستشفى تنشأ، مستشفى ميدانى ،ثم اصبح هناك 12 مستشفى في الميدان على مساحات أصغر ، مستشفى تفترش الأرض والرصيف ، سقفها مشمع للتغطية وأسَرتها بطاطين يرقد عليها الجرحى والمرضى وحجرة الكشف كرسي خشبي ضعيف يمكن أن يصلح لجلوس شاب كسرت ذراعه ، أما كنتاكي الثورة ..كان أعظم وأروع ما رأيت ...لم يكن طعاماً ..كان مقراً للعيادة ومقراً لمعرض الثورة التشكيلي ، المعرض الذي بدأ بفكرة المهندس محمد وزملائه " شباب لا يتجاوز الخامسة والعشرين،جمعوا الأكواب البلاستيكية الفارغة وشكلوا منها لوحة تطالب بإسقاط النظام ، ثم استخدموا الطوب وكونوا بها كلمات مثل " أرحل " أو Go out ، تفجرت الثورة فنطقت فناً ، اشترك فيه كل من أراد أن يستبدل الصوت بخط يرسمه وبلون يضيفه على جدران هذه الثورة الخلاقة .

لقطة 5 : أبطال الصورة :

جنازات ، صلوات الغائب ، مشهد يمتزج فيه الرجال والنساء متجاورين ، يصلون جميعاً ، ويد تظهر في الكادر بين مئات الألوف حاملة الصليب ، وعيون حامله تبكي على الشهيد الذي لم يعرفه يوماً ، لكن دمه هو ميثاق شرف حريته .

مئات الأوف تزداد فتصبح ملايين والأرض لايمكن استيضاح معالمها ، الأنفاس تتداخل من شدة الزحام ، ولكن عبق الثورة كان أجمل متنفس ، لم تعد الصورة أو الكادر يملأها شباب فحسب ، بل عجائز وشيوخ ونساء وامهات لأطفال رضع ـ لم يأتوا لزيارة عابرة خاطفة ، لكنهم جاءوا للانضمام للثورة .

أم مريم ...جاءت من طنطا هي وزوجها الصيدلي وأخاها المهندس وابنتها الرضيعة ، شابة رائعة تجلس داخل الخيمة التي كتبوا عليها : " مصر " ..اعتصمت وخرجت في مظاهرات طنطا ، لكنهم بعد احداث الأربعاء الدموي ، المجزرة التي تعرض لها الشباب في ميدان النحرير ، لم يطيقوا البقاء في طنطا ، جاءوا لأنهم لايقبلوا ان يكون الظلم والقتل هو بديل للبقاء أحياء . قالت لي هذه الأم الشابة : الحمد لله ..إحنا عايشين كويس وما عندناش مشكلة، لكن مصر يتعيش لحظة فارقة ، لابد أن نشارك فيها حتى نتمكن يوماً ما أن نقول لقد حاولنا ان نصنع شيئاً لهذا الوطن ، وغذا سألتني ابنتى يوماً عن هذه الثورة ، أقول لها : خرجت انا ووالدك فيها حتى تعيشين حياة حرة كريمة .

لو كان الأمر لا يعد من المستحيلات لتحدثت فقط عن كل مصري ومصرية قابلتهم وهم يعيشون ويفترشون الأرض في البرد ايام وايام ، وعن قصة كل منهم ، هل أحدثكم عن الأم التي قالت لابنها : لازم تشارك في المظاهرات علشان تبقى راجل ، وترفع راسك أدام أهلك وناسك ، فخرج الأبن ذو الثمانية عشر عاماً ..ولم يعد ..استشهد !!

عمن أحدثكم عن الأب ذي ال69 عاماً الذي أتى بعد اسبوع من بدء الاعتصام في الميدان ، اب لسبعة أولاد ، جاء من العتبة ، يعمل مكوجي ، يحصل بالكاد على 30 جنيهاً في اليوم ، الذي أتى به إلى الميدان ، لم يكن سوى شعوره بأن لديه طاقة يريد أن يعبر بها عن رأيه بمنتهى الحرية ، قال : مش ح اقولك إللي جابني هو غضبي من إني معرفتش أعلم ولادي كلهم ، ولا إني مش عارف اكمل الشهر ،ولا لأن ولادي إللي اتعلموا مش لاقيين شغل ، لكن الحاجة الوحيدة هي إني : كرامتى وجعاني ، لما يتعمل لي محضر عشان تأخرت في دفع الكهرباء ، ولما اروح القسم وواحد من دور ولادي ..يضربني بالقفا وبالقلم على وشى ، وشي ده إللي مليان تجاعيد ، يبقى عاوزاني ما أجيش هنا إزاي !!!

عمن أحكي عن الشباب الذين جاءوا من الفيوم وقرروا البقاء حتى النهاية ، نهاية تحقيق المطالب ، فكما يقول أحدهم : " قعدنا كتير في بيوتنا وضاع حقنا ، خسارة التعليم إللي اعلامناه ومش لاقيين وظيفة محترمة ، لا كرامة ولا حرية ، كله فسادد وواسطة وعمري افترب من الثلاثين ولم أحقق شئ ، فقط احاول أن اسد الحد الأدنى من جوع اسرتي – أقصد أبي وأمي واخوتي الصغار ، لأنني بالطبع لم أتزوج .

عمن أحكي؟ عن الشاب الذي وقف مكلوماً بائساً ، تحكي لافتته القصة الرهيبة ، يكتب عليها بكلتا اللغتين – العربية والإنجليزية : أخيراً ..,جدت أمير صاحبي ولكن في ثلاجة القصر العيني . ، وأمير هذا الشاب الذي ترك خطيبته وجاء للدفاع عن مستقبل أراد أن يحققه له ولغيره ، لكنه سقط ولم يعرف احداً مكانه إلا بعد بحث طويل اكتشف صديقه أنه راقداً بسلام في ثلاجة الموتى بالقصر العيني .

جاءوا من الصعيد ، من سوهاج ، من النوبة ، من المنوفية ، من كفر الشيخ وكفر الزيات ، ومن الإسماعيلية ، وجاءوا من السويس داعمين ومؤيدين للثورة ، للحق .

من كل هؤلاء المصريين ، وجوه كثيرة ، منهم من كدت أن ينسيك الزمن غياهم ، فجاءت الثورة لتجمعك بهم ، تؤكد لك أن " مصر عادت لنا " ، وجوه لم تكن تتوقع أن تراها في هذا المكان ، فأعادت لك الثورة الثقة في جمال البشر وروعتهم ، وجوه تعرفت عليها ، ألفتها ، اشخاص تحدثت معهم ساعات قليلة ، لكنك تشعر أن الرابطة التي تجمعك بهم رابطة السنين المتينة .

كل هؤلاء وملايين أكثر صنعوها ...بدأوا طريق الحرية !!

لقطة 6 : أين كان المصريون مختبئين ؟

ماهذه الاحاسيس الممتزجة ؟

هتافات باصوات قد بحت وأنهكت لكنها مستمرة بمنتهى الداب والقوة .، لافتات شديد الذكاء ، والإبداع ، والطرافة ، لافتات تلخص مآسي هذا الوطن ووجيعة اولاده ن ارقام وإحصاءات تثبت مدى الفساد الذي عشنا في عفنه نتنفسه ونستنشقه لدرجة اننا صدقنا انه مصيرنا الحتمي .

أغانٍ رائعة ، فرق تنضم ، قصائد تهز الميدان ، عندما تلقي الفتاة الرائعة التي زلزت بصوتها وهي تقول قصيدة امل دنقل " لا تصالح " ، وكأنها كتبت لهذا الموقف ، فرق تنضم للمشاركة ـ اسكندريللا ، وسط البلد ، أغان يغنيها الناس في الميدان بصوت وبقلب وبروح واحدة ، مناقشات في الياسات ، رسم لسيناريوهات المستقبل ، شباب يرسم على الأرض أجمل لوحات الثورة ، صور الشهداء تزداد ، صور تجبر ضميرك على الاستمرار واستكمال المسيرو لخاطر هؤلاء الشرفاء ، اقوياء ، اشداء تجدهم في هذا الميدان ، اختاروا أن يكونوا في الصفوف الأولى، فافترشوا الأرض تحت الدبابات وبجوارها ، محاولين الحفاظ على رقعة المكان دون أن يتم تضييق المساحة عليهم إذا تحركت الدبابات تجاه الميدان ، وكذلك تحسباً لي مواجهة غاشمة مع بلطجية النظام الذين كانوا يحاولون بين وقت وآخر تلويث وإفساد هذ المشهد التاريخي ، ولكنهم ستصدرون الصفحات والقوائم السوداء في تاريخ هذه المرحلة .

لقطة 7 : " استغباء الشعب حتى آخر نفس " :

متابعات لحركة النظام وحكومته وتابعيه وابواقه ، تحليلات ، قراءة السطور وما بينها ، محاولة استخلاص ما يخفيه هذا النظام الذي اتسم بالحماقة وبالغباء في تعامله مع هذه الثورة الشعبية ، نظام اختار أن يكون مخلوعاً بمنتهى الإهانة بدلاً من ان يكون منسحباً ببعض الكرامة ، نظام اصر على " استغباء " الشعب وعدم اتخاذه مأخذ الجد حتى آخر لحظة من لحظات رحيله ، نظام راسه رجل بدأ حياته بمنتهى الشرف وأنهاها بمنتهى العناد الذي لا أعلم إن كان سيشفع له بعض مما قدمه في حياته العسكرية لكل هذه الكوارث التي ارتكبها في حق أبناء واصحاب هذا البلد ؟،

عند كل محاولة لي لعمل حوارصحفي ، كنت أفاجأ بقصة من مواطن قهره هذا النظام وأفزعه محاولاً كتم صوته وأنفاسه وحقه ، مررت بالإذاعة التي تتوسط الميدان والملحقة بمنصة وأجهزة كبيرة ومكبرات صوت ، والتي لم يحصلوا عليها بدعم أجنبي أو بأموال أجنبية ولكنه كان دعماً من مسرح الجنينة ، تحدثت مع شاب ، أحد مسئولي هذه الأذاعة التي تقدم الفن والشعر والإبداع ، فعرفت أنه من حركة 25 يناير ، الذيم تم القبض عليهم يوم 25 من قبل أمن الدولة و قد تم تعذيبه وإهانته وتجويعه و محاولة اتهامه بالنتساب إلى الإخوان المسلمين أو معرفة الجهة الداعمة له ، وعندما لم يجدوا منه سبيلاً تم ربط عينيه ثم رميه في صحراء " مصر - السويس " بعد حوالي عشرة ايام ، وقد جاء الشاب متجهاً فوراً ‘الى ميدان التحرير ~، ويقسم لي الشاب أنه شاهد مالك يصدقه يوم 25 ، شباب يقع فور إصابتهم له بالرصاص الحي ، يتلقفونهم في سيارات ولا أحد يعرف من هم أو أين هم هؤلاء الشباب _ رحمة الله عليهم.

لقطة 8 : حرب نفسية لعبها النظام وخسرها أيضاً :

ليلة الخميس السوداء 10 فبراير ، ذلك اليوم الذي تسللت فيه أخبار بأن مبارك سيعلن التنحي ، تبادلنا التهاني ، مستبشرين ، نقول يارب ، وجا الخطاب الذي أعلن فيه تفويض مبارك للسيد عمر سليمان باختصاصات رئيس الجمهوية ، وانتهى البيان ولم تنته معه الحماس ، ولم يتفرق الشعب الرافض ، شعر الميدان بمن فيه بمشاعر غضب وبرد فعل موحد ، كيف ومتى أتفقوا عليه ...لا أعلم ، هكذا كان يدار الميدان منذ اللحظة الأولى ، مشاعر تلقائية ، تنتشر كالنار في الهشيم ، ناس بكت ، وأخرزن صمدوا ,آخرون انفعلوا ، والكثيرون كانوا على درجة من الوعي وفهموا أنها محاولة للضغط النفسي ومحاولة إثارة الفوضى بين الصفوف وهو مالم يحدث ولم يسمح أحد بحدوثه ، واتجهت الحشود إلى قصر العروبة وأخرين إلى ماسبيرو لاستكمال المشوار حتى النهاية ، أياً كانت النهايات .


لقطة 9 : أخيراً ....." كلنا كده عاوزين صورة "

جمعة الخلاص أو جمعة " الغضب أوي " أو جمعة الصمود ، اكتسبت أكثر من اسم ، واكتسبت الملايين الذين احتشدوا وواصلوا الكفاح ، كنا نعرف أننا عازمين على الاستكمال ولكن إلى متى – لا أحد يعلم – جاءت المعلومات بأن هناك بيان سيصدر قريباً من الرئاسة ، ولكننا تأكدنا وكنا على يقين بأنه سيكون هراء أو تأكيد لما سبق أو أنه فتات جديد يرمى إلى الشعب ، كان الإعلان عن البيان في الرابعة ةعصراً فتصور البعض أنه سيصدر في الحادية عشر بتوقيتهم ، فهم دائماً متأخرون !!!

وكانت الفرحة ، الفرحة التي عشتهها وسط الناس في الميدان ، ما أروعها الحرية ...

ما أروعها الهتافات الخارجة من القلوب لا من الحناجر : " الشعب خلاص أسقط النظام " ، " أرفع راسك فوق ..أنت مصري " ، " يا شهيد يا شهيد ...الليلة دي ليلة عيد " ، " يا شهيد نام وارتاح ...حسنى خلاص سابها وراح " ، وما أعظم المشهد الذي سيسجله التاريخ وتوثقه الصورة والكل على قلب مصري واحد يغنون " بلاد ي بلادي بلادي ...لك حبي وفؤادي " .

" صور ة صورة صورة ...كلنا كده عاوزين صورة ، وإللي حيخرج من الميدان عمره ما حيبان في الصورة " !!

هذه هي الصورة الكبيرة للمشهد ، أما التفاصيل فهي كثيرة ورائعة ومدهشة وموجعة ولن تظهر بوضوح لمن كان خارج الميدان .

صباح الحرية والكرامة ...بدأنا صفحة جديدة ، علينا أن نتعهد فيها ، كل أمام ضميره بألا يسمح بتشويه الصورة التي كدنا نضعها في الإطار النظيف الصحيح ، نتعهد بالا نقبل بانصاف الحقوق ، انصاف الحلول ، أنصاف المصريين ، نتعهد أمام ضمائرنا بأن الشباب الذي راح والذي مازال صامداً ...سنحفظ له حقه في أن نكمل معه " الصورة " ، نكمل معه الطريق نحو مصر طالما حلمنا بها .

وكما قالت الحناجر يومأ ما في الميدان : " شدي حيلك يا بلد ...الحرية بتتولد " !!

لقد ولدت وكتب الشباب على ارض " الميدان " : عيد ميلاد سعيد يا مصر !!

*********************************************************************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق