السبت، 19 فبراير 2011

الاحتماء خلف جدار الواجب !!


جورج أنسى

عندما سمعت هذه المقولة لاول مرة قبل سنوات طويلة لم اتمكن من فهم كل ما تعنيه هذة الجملة وكيف يمكن أن تكون عاملاً مشتركا بين بلدان العالم العربى التى تشترك جميعها فى سطوة الامن بكل أشكاله على كل مناحى الحياة ....

وهاهى اليوم تعود لذاكرتى من جديد بعد اندلاع ثورة 25 يناير فى مصر ونجاحها فى اسقاط النظام , فقد سمعت هذه الجملة قبل أكثر من 10 سنوات وتحديدا فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى عندما عرض فيلما مغربياً للمخرج الشاب كمال كمال بعنوان ( طيف نزار ) والذى عالجت قصته فترة ما عرف فى الادبيات المغربية بسنوات ( الرصاص أو الجمر ) وهى الفترة من منتصف الستينيات وحتى منتصف السبعينيات والتى قام فيها الملك الراحل الحسن الثانى بالتعامل بوحشية مع معارضيه باستخدام كل وسائل التعذيب والانتهاك

وعقب عرض الفيلم تحدث المخرج الشاب عن فكرة هذا الفيلم التى تقوم على أن كل الانتهاكات التى يقوم بها رجال الامن تجاه المعارضين للانظمة هى واجب تمليه عليهم ضمائرهم وهم بذلك يكونون فى حل من عذاب الضمير, أى أنهم بهذا الواجب يشيدون جداراً يحتمون خلفه من المساءلة ....!!

واذا كانت السينما المغربية قد بدأت فى انتاج هذة النوعية من الافلام التى تحاسب زمن الملك الراحل فانها بطبيعة الحال تذكرنا بافلام ( الكرنكة ) التى جاءت بعد ثورة التصحيح فى مصر محاسبة لفترة مراكز القوى فى الستينيات والتى استندت أيضا لفكرة حماية الثورة من أعدائها حتى لو استخدمت فى سبيل ذلك كل الطرق المشروعة وغير المشروعة !!

الى هنا لم يتعد الامر بالنسبة لى سوى التعرف على عهد جديد فى احدى الدول العربية التى عرفت بقوة وسطوة رجال الامن ... الا اننى - وتحديدا عام 2001 – سنحت لى الظروف أن أكون مرافقا لبعثة منتخبنا الوطنى لكرة القدم لملاقاة نظيره المغربى فى الرباط فى تصفيات مونديال 2002 بكوريا الجنوبية واليابان وخلال حضورى لاحدى الاحتفاليات التى اقامتها احدى الصحف المغربية لتكريم بعض الرموز الرياضية فى مصر والمغرب فوجئت باحدى السيدات تتصدر المنصة فى احدى القاعات الملحقة بالفندق متحدثة بمفردها ودفعنى فضولى الصحفى للسؤال عن مضمون هذه الندوة فكانت الاجابة اكثر غرابة- ربما لاننى لم أتوقعها فى عالمنا العربى - وهى أن هذه السيدة تتحدث عن فترة تعذيبها بأحد السجون فى عهد الملك الحسن الثانى بل أنها تتحدث فى عهد ابنه العاهل الحالى محمد السادس !!.....

وهنا أدركت فكرة (المصالحة) التى تبناها ولايزال الملك الشاب من أجل فتح صفحة جديدة مع الجميع , بل ان الحكومة المغربية تعهدت باجراء مواجهات بين الضحايا وجلاديهم فى وسائل الاعلام المختلفة ودفع تعويضات مناسبة لهؤلاء الضحايا ....

أكتب هذه السطور ونحن خارجون للتو من معركة طويلة مع رجال الامن وهى تقريباً تجسيد كامل لما سطرته عن التجربة المغربية والتى مررنا بها من قبل- و للاسف عدنا اليها سريعا -وأصبحنا نحلم بالتحرر منها واجراء مصالحة كاملة مع كل أطياف المجتمع وفى نفس الوقت بات من الضرورى الـتأكيد على أن الضمير الانسانى لرجل الأمن واحترامه لحقوق الانسان أهم جدا من ذلك الجدار العالى الذى يحتمون خلفه بدعوى الواجب والوطنية بعيداً عن التخوين والعمالة قبل محاكمة عادلة تقر بذلك ....

ان جدار الواجب ينسحب حتماً على جميع من هم فى موقع المسئولية وعلى رأسهم رجال الاعلام بكل أنواعها والذين يشيدون أيضا جداراً مهنيا يحتمون خلفه مما يبثونه عبر ادواتهم الاعلاميه من أكاذيب وتزييف للحقائق بدعوى حماية النظام والحفاظ على مكتسباته, ورغم أن الاعلامى يمكنه بحرفيته أن يتحايل على ذلك بعرض الحقائق فقط تاركا للجمهور الحكم على الامر برمته الا أن البعض يرفض التعامل بحرفية مفضلا ممارسة التضليل والخداع على احترام قواعد المهنة وأدابها ....انها أيضاً سمة مشتركة للاعلام العربى المرتبط بالانظمة الحاكمة ولكنها لن تكون قاعدة أبداً طالما وجد من يقاومها ويقول لا ولو لمرة واحدة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق