الثلاثاء، 1 مارس 2011

التطهير قبل التعمير



ألفت جعفر

عندما تملأ الجروح وبؤر الصديد جسد المريض ، فلا علاج يجدي قبل أن تطهر هذه الجروح وتنحي هذه البؤر الصديدية من الجسد العليل ،بعدها يمكن تناول بعض المسكنات قبل البدء في تشخيص المرض ووصف العلاج المناسب وتحديد الدواء اللازم ..

لذلك أدعو المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي بدا وقد هاله حجم مافي الجسد المريض من جروح وقروح وتقيحات لم يكن ليتخيلها وكم الفساد الذي نسج لنفسه خيوطا متشابكة ومتراصة كالبنيان يشد بعضه بعضا ويعضد الكبير منها الأصغر في منظومة يصعب اختراقها وتقويضها.

المهم أن نتشارك جميعاً في تنقية هذا الجسد العليل من هذه الجروح والتقيحات التي كادت أن تقضي على مصرنا الحبيبة لولا الهبة الجريئة التي بدأها شباب مصر الشرفاء الذين لم يتلوثوا بعد ولم يصيبهم ما أصابنا جميعاً بشكل أو بآخر من عدوي وفساد فكانوا حافزاً لنا لنستعين بأشرف وأنبل مافينا (مصريتنا) لنواجه به أقبح وأسوأ ماأصابنا من انتهازية وفساد وإفساد .. ثورتنا الآن عليها أن تنقذ مصر المعتلة كما أنقذت ثورة يوليو 52 مصر المحتلة والجميل أن المنقذ فى الحالتين هو الجيش المصري ومؤسسته العسكرية التي نشهد جميعا أنها تكاد تكون هي المؤسسة الوحيدة الناجية من عدوي الفساد والإفساد ..والتي يشهد لها الجميع بالقوة والنزاهة والتنظيم والإنجاز ..

والآن حتي نبدأ بناء مصر لا بد من أن نستاصل كافة المفسدين ورموزهم وذيولهم ،وكل ما يتعلق بالنظام البائس الفائت كالطبيب الذي يقتلع سرطانا خبيثا من جسد مريض وعلينا أن نتحمل بشجاعة كل الآلام الموجعة حتي نصل إلى مرحلة الشفاء ..

لدينا في مصر 17 جهازاً رقابياً، من بينها الرقابةالإدارية،والجهازالمركزي للمحاسبات،ومباحث الأموال العامة وغيرها، هذه الأجهزة لديها مئات، بل الآلاف من ملفات الفساد، وكانت هذه الملفات موضوعة تحت الحراسة في الأدراج.. فهل تخرج الآن لتري النور؟!.بالإضافة لما يستجد من بلاغات وملفات يقدمها كل صاحب مظلمة ليقدٌم المفسدون لمحاكمات عاجلة.. لأنه بدون محاسبة لن ينصلح حال مصر. ولابد أن نعبر سريعا من المرحلة الانتقالية، لأن هذه المرحلة بها كثير من الغموض، إن رأس النظام قد سقط ولكن جسده مازال متجزر في مصر، وهناك كثير من المنتفعين والمختلسين ومصاصى دماء الشعب من عهد مبارك وهم كثيرون وفى كل مكان ويحلمون بالعوده الى الماضى المظلم الذى ترعرعوا وسرقوا خيرات مصر فيه لأنهم كالخفافيش لا يعرفون الظهور فى النور لقد تعودوا على الظلام ويخططون للعودة إلىه مرة أخري حتي يعودوا للغش والسرقه وتكميم الأفواه وتجاهل أحكام القضاء وتعيين الأقارب والمحاسيب ووأد الكفاءات ونشر الرشوه والمحسوبيه ..لا مفر إذن من الحساب لكل هؤلاء الذين سرقوا منا أغلى وطن (مصر)..

هناك مثل إنجليزى يقول إن الثورة يقوم بها الأبطال ويحصد ثمارها الجبناء.والخوف كل الخوف أن يصدق هذا المثل على ثورتنا خاصة وهناك شواهد كثيرة تؤكده فلازال أنصار النظام السابق يعملون في الظلام وفق مخطط جهنمي حتى لو كان الثمن حرق البلد

ولن تنفى هذه الشواهد والشكوك إلا إجراءات واضحة متسارعة على أرض الواقع لإفساد هذا المخطط ، ولن يحفظ للجيش صورته البهية إلا حمايته وتفعيله لهذه الإجراءات.

إن هذا البطء الشديد الذي نلحظه في عملية التغيير يفسح مجالاً أمام حرس النظام القديم لاحتواء الثورة فضلاً عن الانقضاض عليها. الحديث عن الثورة المضادة ليس وهماً بل حقيقة مؤكدة تماماً كما يحدث في الفيزياء لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة و مضاد له في الاتجاه.

في الأفق القريب تبدو محاولات الانقضاض على الثورة من الداخل والخارج أيضاً. هذا واقع فرضته الحالة الثورية المباغتة إذ أربكت المتحالفين داخل الثورة كما أربكت خصومهم. في ظل الارتباك ارتضى الجميع واقعاً آل الأمر فيه لمن لا يستحق بمنطق الثورة وربما بمنطق الثورة المضادة كذلك. من المفارقة ان الوسطاء بين المعسكرين قبضوا على زمام الثورة.

هي مفارقة مبررة إذ فضل أكثر المتربصين بالثورة من داخلها وخارجها التراجع عن الواجهة. كلاهما يترقب الفرصة المواتية للانقضاض. المخاض المباغت أضر بالثورة إذ بلغ ذروته قبل ان تخرج الثورة قيادتها الشرعية من رحمها. كل القيادات جاءت من خارج رحم الثورة.لذلك شاهدنا هذه الحالة من التخوين والتخوين المضاد ورفض محاولات الانقضاض من كل الأطراف وكأن الثورة ملكاً لمجموعة بعينها أو على النقيض مجرد مولد وصاحبه غايب..!!

الخطير فعلاً ويدعو للقلق والدراسة ما ذكره الفقيه الدستوري الدكتور إبراهيم درويش وفتح بهبابا واسعا للجدل بشأن الموقف القانوني للرئيس مبارك، إذ قال إن مبارك 'لم يتنحَّ رسميا ولم يوقع على قرار التنحي وهذا يطرح موضوعات كثيرة أهمها أن مبارك مازال الرئيس،و لم ينشر أي خبر يفيد التنحي في الجريدة الرسمية. و حذر المستشار درويش من ظهور أجندات 'تسرق نتائج الثورة'.

وقد ذكر موقع 'دبكا فايل' المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية، والمتخصص في الشئون الأمنية والمخابراتية أن الرئيس السابق مازال يرى نفسه رئيسا لمصر، وأن الجيش قام بانقلاب ضده، مؤكدا إنه لم يوقع أو يوافق على البيان الذي أذاعه نائبه عمر سليمان يوم 11 فبراير الجاري. وقال الموقع إن مبارك كان يتحدث هاتفيا مع الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز يوم الجمعة في 11 فبراير، بعدما ظهر نائبه عمر سليمان على شاشة التلفزيون يعلن تخليه عن السلطة وتسليمها للجيش.

هذا قليل جداً من كثير يموج به الواقع داخل المشهد السياسي في مصر ، ـ هذا إذا استبعدنا ولو لبعض الوقت باقي المشاهد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والإعلامية والفنية ..إلخ ـ حيث تشكل جيوب الاستبداد والفساد تضاريس لا تخفى عن العيون. هذه الجيوب لا تقبل الثورة التعايش معها و لا تحتمل بقاءها. عملية إزالة الواقع البائد تستهدف ظواهر محددة أكثر من أشخاص بعينهم. حتى الشخوص المتواجدين أمام رياح التغيير معروفون لدى الجميع بل هم يدركون ضرورة ابتعادهم غير أنهم لن يتطوعوا ما لم تهزهم رياح التغيير أو تزحزحهم. إن التجربة قد أثبتت أن رحيل الرئيس لا يعني سقوط النظام. وهاهي كل مؤسسات الدولة تضج برؤسائها وتطالب بإسقاطهم جميعاً قبل أن يتمكنوا من إخفاء جرائمهم بتحويل مؤسسات الدولة إلى ركام ..

للمشاركة : olfat_gafer@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق