الأربعاء، 16 مارس 2011

فى إنتظار نشرة الأخبار ..ناهد الشافعي


ناهد الشافعي

رغم كل ما يمر علينا من أحداث إلا أننى أشعر بملل رهيب.. أنتظر مع كل نشرة أخبار أن أقرأ أو أسمع خبرا جديدا، فلا أجد إلا أسماء تضاف لقائمة طويلة يتم التحقيق فى فسادها .. وعندما تنقلنى النشرة إلى ليبيا ينخلع قلبى..

فى ليبيا،وفى مدينة الزاوية، عشت أكثر من ثلاث سنوات انتهت فى بداية عام 1984 .. وظللت لمدة طويلة لا أذكر منها إلا هذا الملل الذى كنت أشعر به وأنا أنتظر نشرة الأخبار.. وقتها لم يكن متاحا إلا قناة تليفزيونية واحدة، تستمر ساعات طويلة تنقل موسيقى فلكلورية رتيبة لدرجة تثير الكآبة مع تنويه أعلى الشاشة يقول "الأخبار بعد قليل" .. كانت الطبول هى الآلة الوحيدة المستخدمة فى هذه الموسيقى، وكان قلبى يدق مع دقات العازفين الجالسين على الأرض فى دوائر صغيرة، يسرع ويبطئ فأتأكد أنه سيتوقف عن الخفقان "بعد قليل" وقبل أن تبدأ النشرة.. أغلق التلفزيون وأدور فى المنزل أبحث عما أفعله، وفى النهاية أعود للشاشة لأجد نفس المشهد، فأنام .. وكم كان النوم عزيزا..

ولسنوات ظلت هذه هى ذكرياتى التى أستدعيها كلما ذكر أمامى اسم "الزاوية" اضافة الى لهفتى على إتخاذ قرار العودة النهائية إلى مصر، إلى أن فوجئت بها أمامى، هنا فى القاهرة..

آسيا.. صديقتى الليبية الحبيبة.. الصديقة التى قابلتها فى الزاوية وقضينا معا ثلاثةأعوام.. صديقتى التى وعدتنى أن تزور مصر وأن تبحث عنى وتجدنى.. ووعدتها أنا بأن أراسلها.. وفت بوعدها رغم أننى نسيت وعدى.. جاءت أسيا بعد أكثر من عشرين عاما لتذكرنى بأوقاتنا معا.. يوم زفاف صديقتنا عائشة، ورحلاتنا إلى زوارة وصبراتة، وأصرارها أن أرتدى الملابس الليبية فأحضرت لى أجمل ماعندها.. ذكرتنى آسيا بزيارتنا إلى طرابلس للإشتراك فى مسابقة الفنون للمدارس على مستوى الجماهيرية.. فازت صديقتى أسيا التى قامت بتدريب الطالبات على رقصة تعبيرية بمصاحبة سيمفونية –لا أذكرها الآن - بالجائزة الأولى وأعلنها أمين اللجنة الشعبية للتعليم قائلا "اشهد أنك يازاوية، وأنكم يا أهل الزاوية تستحقون الجائزة الأولى".. ذكرتنى آسيا أننى أحببت الزاوية وأهلها..

الآن أشاهدهم يثورون ويحاربون من أجل حريتهم.. أتابع مايجرى هناك وأحاول أن أتعرف على الشوارع والميادين والوجوه.. وألوم نفسى لأننى نسيتهم هذه السنوات، وأجدنى أخاف عليهم كما كنت خائفة على أبناء بلدى يومى 28 يناير و2 فبراير، فادعو الله أن ينصرهم كما نصرنا..

وتعاودنى الذكريات.. وهذه المرة كانت بعد وصولى الزاوية بشهور قليلة، عندما بدأت الإداعة الليبية تعلن أن خبرا سعيدا سيعلن بعد قليل.. وانتظرنا النشرة – كالعادة – وتجمع الليبيون والعاملون كلهم حول أجهزة الراديو معتقدين أنهم سيسمعون قرارا بزيادة المرتبات.. وأخيرا خرج المذيع علينا ليعلن أن أنور السادات قد قُتل.. ومن جديد أنتظر النشرة وأبدا البحث بين مواقع الإنترنت عن الخبر، قتل القذافى أو رحيله أوحتى انتحاره، ولكن الخبر لا يذاع، وتستمر حالة المل والأسى والقلق على أهل ليبيا وأهل الزاوية.. وأعد نفسى وأعد آسيا رغم فشلى فى الإتصال بها أننى بعد إذاعة الخبر سأذهب وأزورهم.. هناك، فى الزاوية، وأحتفل معهم بانتصارهم .. وانتصارنا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق